فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر على منعها فمشى على اثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله فنام فإذا بالتنين قد اقبل فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى موسى دامية فارتاح لذلك. وحين رجع إلى شعيب مس الغنم فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن فأخبره موسى ففرح وعلم أن لموسى والعصا شأنًا. قيل: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى ذهب ليقتبس النار فكلمه الملك الجبار وقد مر في النمل تفسير قوله: {فلما رآها تهتز} [النمل: 10] إلى قوله: {من غير سوء} [الآية: 12] أما قوله: {واضمم إليك جناحك من الرهب} فذكر جار الله له معنيين: أحدهما حقيقة وهو أنه لما قلب الله العصا حية فزع واضطراب فاتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء فقيل له: إن اتقاءك بيدك فيه نقصان قدرك عند الأعداء فإن ألقيتها، فكما تنقلب حية فادخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران: اجتناب النقص وإظهار معجزة أخرى. وثانيهما مجاز وهو أن يراد بضم الجناح التجلد وضبط النفس حتى لا يضطرب فيكون استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف أرخى جناحيه وإلا ضمهما. ومعنى {من الرهب} من أجل الخوف. والفرق بين هذه العبارة وبين قوله: {اسلك يدك في جيبك} أن الغرض هناك خروج اليد بيضاء وهاهنا الغرض إخفاء الخوف أو اراد بالجناح المضموم هاهنا اليد اليمنى وبالجناح المضموم إليه في قوله: {واضمم يدك إلى جناحك} اليد اليسرى، وقيل: إن الرهب هو الكم بلغة حمير وزيفه النقاد. من قرأ: {فذانك} بالتخفيف فمثنى ذاك، ومن قرأ بالتشديد فمثنى ذلك وأصله ذان لك قلبت اللام نونًا وأدغمت. وسميت الحجة برهانًا لبياضها وإنارتها من قولهم امرأة برهرهة أي بيضاء، واليعن واللام مكررتان. والدليل على زيادة النون قولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان ونظيره السلطان من السليط الزيت، لإنارتها. وظاهر الكلام يقتضي أنه تعالى أمره بذلك قبل لقاء فرعون، والسر فيه أن يكون على بصيرة من أمره عند لقاء المعاند اللجوج، وزعم القاضي أنه في حال أداء الرسالة لأن المعجز إنما يظهر ليستدل المرسل إليه على الرسالة ولا يخفى ضعف هذا الكلام لأن الحكمة في الإظهار لا تنحصر في الاستدلال بل لعل هناك أنواعًا أخر من الحكم والمقاصد قد ذكرنا واحدًا منها. ومما يؤكد أن هذا الكلام قد جرى ولم يكن هناك أحد غير موسى قوله معتذرًا {رب إني قتلت منهم نفسًا} الآية. والردء اسم ما يعان به من ردأته أي أعنته فعل بمعنى مفعول به و{يصدقني} بالرفع صفة وبالجزم جواب كما مر في قوله: {وليًا يرثني} [مريم: 56] والمراد بتصديق أخيه أن يذب ويجادل عنه لا أن يقول: صدقت فإن هذا القدر لا يفتقر إلى البيان والفصاحة لأن سحبان وباقلًا يستويان فيه.
ويجوز أن يكون الضمير في {يصدقني} لفرعون. وجوّز جار الله أن يكون من الإسناد المجازي بناء على أن يصدق مسند إلى هارون وهو بيانه وبلاغته سبب تصديق فرعون يؤيده قوله: {إني أخاف أن يكذبون} قال الجبائي: إنما سأل موسى أن يرسل هارون بأمر الله تعالى ولم يكن ليسأل مالا يأمن أن يجاب أولا يكون حكمة. ولقائل أن يقول: لعله ساله مشروطًا على معنى إن اقتضت الحكمة ذلك كما يقول الداعي في دعائه. وقال السدي: علم أن الاثنين أقوى من الواحد فلهذا سأل اعترض القاضي بأن هذا من حيث العادة وأما من حيث الدلالة فلا فرق بين معجزة ومعجزتين، لأن المبعوث إليه في أيهما نظر علم وإن لم ينظر فالحال واحدة. هذا إذا كانت طريقة الدلالة بين المعجزتين واحدة، فأما إذا اختلف وأمكن في إحداهما من إزالة الشبهة مالا يمكن في الأخرى فغير ممتنع أن يقال: إنهما بمجموعهما أقوى من واحدة كما قال السدي، لكن ذلك لا يتأتى في موسى وهارون لأن معجزتهما كانت واحدة.
قال جار الله معنى {سنشد عضدك} سنقوّيك بأخيك إما لأن اليد تشتد بشدة العضد وجملة البدن يقوى على مزاولة الأمور بشدة اليد، وإما لأن الرجل واشتداده بالأخ شبه باليد في اشتدادها باشتداد العضد. والسلطان التسلط والغلبة والحجة الواضحة. وقوله: {بآياتنا} إما متعلق بمقدر أي اذهبا بآياتنا، أو متعلق بظاهر وهو {نجعل} أو {لا يصلون}. ويجوز أن يكون بيانًا ل {لغالبون} كأنه قيل: بماذا نغلب؟ فقيل: بآياتنا. وامتنع أن تكون صلة ل {لغالبون} لتقدمه، ويجوز أن تكون قسمًا جوابه {لا يصلون} مقدمًا عليه مثله. ويجوز أن يكون من لغو القسم الذي لا جواب له كقولك زيد وأبيك منطلق والمراد الغلبة بالحجة والبرهان في الحال أو بالدولة والمملكة في المآل، وصلب السحرة بعد تسليم ثبوته لا يقدح في قوله: {ومن اتبعكما الغالبون} لأن الدولة الباقية أعلى شأنا و{سحر مفترى} أي سحر تعمله أنت ثم تنسبه إلى الله فهو كذب من هذا الوجه، أو سحر ظاهر افتراؤه لا سحر يخفى افتراؤه، أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر فإن كل سحر ففاعله يوهم خلافه فهو المفترى. ومعنى {ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين} قد مر في سورة المؤمنين. قال جار الله {في آبائنا} حال عن {هذا} أي كائنًا في زمانهم وأيامهم قلت: لا مانع من أن يكون الظرف لغوًا ولا خلو من أن يكونوا كاذبين في ذلك وقد سمعوا بنحوه، أو يريدوا أنهم لم يسمعوا بمثله في فظاعته، أو أرادوا أن الكهان لم يخبروا بمجيء ما جاء به موسى.
وكل هذه المقالات لا تصدر إلا عن المحجوج اللجوج الذي قصارى أمره التمسك بحبل التقليد.
من قرأ: {قال موسى} بغير واو فعلى طريقة السؤال والجواب. ووجه قراءة الأكثرين أنهم قالوا ذلك وقال موسىر هذا ليوازن العاقل الناظر بين القولين فيتبين له الغث من السمين. وقوله: {ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده} إفحام لخصم المعاند إذ لا سبيل إلى دفاعه بالحجة أي يعلم أني محق وأنهم مبطلون. وقوله: {ومن تكون له عاقبة الدار} يعني العاقبة الحميدة كأن المذمومة غير معتدّ بها ضم طريقة الوعيد إلى الإفحام المذكور. وقيل: معناه ربي أعلم بالأنبياء السالفة فهو جواب لقولهم {ما سمعنا بهذا} وقال جار الله: {ربي أعلم} بحال من أهله للفلاح حيث جعله نبيًا ووعده حسنى العقبى، ولو كان كاذبًا كما يزعمون لم يؤهله لذلك لأنه لا يفلح عنده الظالمون، واعلم أن فرعون كان من عادته عند ظهور حجة لموسى أن يتعلق في دفع تلك الحجة بشبهة يروّجها على أغمار قومه فذكر هاهنا أمرين: الأوّل قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} فكأنه استدل بعدم الدليل على عدم المدلول وهو خطأ من جهة أن الدليل على المدلول وهو وجود الصانع أكثر من أن يحصى، ومن جهة أن عدم الدليل لا يستلزم عدم المدلول. وأما قوله: {غيري} فقد تكلف له بعضهم أنه لم يرد به أنه خالق السموات والأرض وما فيهما فإن امتناع ذلك بديهي، وإنما أراد به نفي الصانع والاقتصار على الطبائع وأنه لا تكليف على الناس إلا أن يطيعوا ملكهم وينقادوا لأمره.
الثاني قوله: {فأوقد لي يا هامان على الطين} وقد تكلفوا له هاهنا أيضًا فقيل: إنه يبعد من العاقل أن يروم صعود السماء بآلة، ولكنه أراد أنه لا سبيل إلى إثبات الصانع من حيث العقل كما مر، ولا من حيث الحس فإن الإحساس به يتوقف على الصعود وهو معتذر، وإلا فابن يا هامان مثل هذا البناء وإنما قال ذلك تهكمًا. فبمجموع هذه الأشياء قرر أنه لا دليل على الصانع، ثم رتب النتيجة عليه وهو قوله: {وإني لأظنه من الكاذبين} يحتمل أن يريد لأعلمه من الكاذبين. والأكثرون من المفسرين على أنه بنى مثل هذا البناء جهلًا منه أو تلبيسًا على ملئة حيث صادفهم أغبى الناس وأخلاهم من الفطن. يروى أن هامان جمع العمال حتى اجتمع منهم خمسون ألف بناء سوى الأجراء، وأمر بطبخ الآجر والجص ونجر الخشب وضرب المسامير فشيدوه حتى بلغ مبلغًا لا يقدر الباني أن يقوم عليه، فبعث الله جبريل عند غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعت ثلاث قطع، وقعت قطعة على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل. ووقعت قطعة في البحر، وقطعة في المغرب ولم يبق أحد من عماله إلا قد هلك.
وروي في القصة أن فرعون ارتقى فوقه فرمى بنشابة نحو السماء فأراد الله أن يفتنهم فردّت إليه وهي ملطوخة بالدم فقال: قد قتلت إله موسى، فعند ذلك بعث الله جبرائيل لهدمه. قال أهل البيان: إن صح الحديث ردّ النشابة ملطوخة فقد تهكم به بالفعل كما ثبت التهكم بالقول في غير موضع. وإنما قال: {فأوقد لي يا هامان على الطين} ولم يقل: اطبخ لي الآجر. لأن هذه العبارة أحسن، ولأن هذه العبارة أحسن، ولأن فيه تعليم الصنعة، وقد كان أوّل من عمل الآجر فرعون. عن عمر أنه حين سافر إلى الشام ورأى القصور المشيدة بالآجر قال: ما علمت أن أحدًا بنى الآجر غير فرعون. والطلوع والأطلاع الصعود يقال: طلع الجبل واطلع.
وفي قوله سبحانه: {واستكبر هو وجنوده في الأرض} يعني أرض مصر {بغير الحق} إشارة إلى أن الاستكبار بالحق إنما هو لله تعالى كما جاء في الحديث القدسي «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري» فهو كقوله: {ويقتلون النبيين بغير الحق} [البقرة: 61] وفي قوله: {وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} دليل على أنهم كانوا منكري البعث كالطبائعيين. وفي قوله: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} دلالة على علو شأنه تعالى وعظمة سلطانه وإشارة إلى استحقار فرعون وجنوده وعدده وإن كانوا أكثر من رمال الدهناء كأنه شبههم بحصيات أخذهن أحد في كفه فطرحهن في البحر. استدلت الأشاعرة بقوله: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} أن خالق الشر وجاعل الكفر هو الله سبحانه. وقالت المعتزلة: معنى الجعل التسمية والحكم بذلك كما يقال: جعله بخيلًا وفاسقًا إذا حكم بالبخل والفسق عليه وسماه بالبخيل والفاسق، أو أراد خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى كانوا أئمة الكفر داعين إلى النار أي إلى موجباتها من الكفر والمعاصي. وقال أبو مسلم: معنى الإمامة التقدم وذلك أنه تعالى عجل لهم العذاب فصاروا متقدمين لمن وراءهم من الكفرة إلى النار. وقال بعضهم: أراد بالإمامة أنهم بلغوا في ذلك الباب أقصى النهايات حتى أستحقوا أن يقتدى بهم. ثم بين بقوله: {ويوم القيامة لا ينصرون} أن عقاب الآخرة سينزل بهم على وجه لا يمكن التخلص منه. وقال في الكشاف: اراد وخذلناهم في الدنيا ويوم القيامة هم مخذولون كما قال: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} أي طردًا وإبعادًا عن الرحمة {ويوم القيامة هم من المقبوحين} أي من المطرودين المبعدين: وقالت الليث: قبحه الله قبحًا بالفتح وقبحًا بالضم أي نجاه عن كل خير. وقال ابن عباس: من المشهورين بسواد الوجه وزرقة العين. وعن بعضهم أنه تعالى يقبح صورهم ويقبح عليهم عملهم فيجمع لهم بين الفضيحتين. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قال فرعون {يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} قال جبريل عليه السلام: يا رب طغى عبدك فائذن لي في هلاكه قال: يا جبريل هو عبدي ولن يسبقني له أجل قد اجلته حتى يجيء ذلك الأجل. فلما قال: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] قال: يا جبريل قد سكنت روعتك. بغى عبدي وقد جاء أوان هلاكه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلمتان قالهما فرعون {ما علمت لكم من إله غيري} وقوله: {أنا ربكم الأعلى} قال: كان بينهما أربعون عامًا {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} [النازعات: 26]».
أما قوله تعالى: {فأوقد لي يا هامان} الآية.
أخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر قال: حدثنا أسد عن خالد بن عبد الله عن محدث حدثه قال: كان هامان نبطيًا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فأوقد لي يا هامان على الطين} قال على المدر يكون لبنًا مطبوخًا.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: بلغني أن فرعون أول من طبخ الآجر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان فرعون أول من طبخ الآجر، وصنع له الصرح.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: فرعون أول من صنع الآجر وبنى به.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: {فأوقد لي يا هامان على الطين} قال: أوقد على الطين حتى يكون آجرًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: لما بنوا له الصرح ارتقى فوقه، فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء، فردت إليه وهي متلطخة دمًا فقال: قتلت إله موسى.
{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)}.
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فنبذناهم في اليم} قال: في البحر. بحر يقال له ساف من وراء مصر غرقهم الله فيه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} قال: جعلهم الله أئمة يدعون إلى المعاصي.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة} لعنة أخرى، ثم استقبل فقال: {هم من المقبوحين}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة} قال: لعنوا في الدنيا والآخرة هو كقوله: {وأتبعناهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة}. اهـ.